الجمعة، 27 مارس 2015

الشيخ محمد بن عثمان الغنجري حفظه الله تعالى


الشيخ محمد بن عثمان العنجري حفظه الله تعالى


الشيخ محمد بن عثمان العنجري حفظه الله تعالى


الشيخ محمد بن عثمان العنجري حفظه الله تعالى


الشيخ محمد بن عثمان العنجري حفظه الله تعالى


الشيخ محمد بن عثمان العنجري حفظه الله تعالى


الشيخ محمد عثمان العنجري حفظه الله تعالى


الاثنين، 23 مارس 2015

الشيخ بوفلجة بن عباس حفظه الله تعالى

المؤلف: 
بوفلجة بن عباس
من هم القدرية؟
إن المتبادر إلى أذهان الناس عند إطلاق لفظ القدرية هم القدرية النفاة، الذين ظهروا في أواخر زمن صغار الصحابة، وكان أولهم معبد الجهني الذي زعم أن الأمر أنف، وأن الله لا يعلم ما يقع حتى يقع, فأنكر العلم والكتابة، فقام جمهور الصحابة الموجودين في ذلك الزمن بإنكار مقالته وإبطالها، وأشهر من أنكر عليهم وتبرأ منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب كما في الحديث الذي انفرد به مسلم من طريقه في أول صحيحه، والقصة مشهورة عن يحي بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميري، وقد رواها مسلم بكاملها كما في الحديث المشار إليه.
وقد كفرهم أئمة السلف، وقالوا مقالاتهم المشهورة: "حاجوهم بالعلم، فإن أنكروه كفروا"، وأما القدرية المعتزلة أتباع واصل بن عطاء الغزالن وعمرو بن عبيد فلم يكونوا ينكرون العلم والكتابة، إلا ما ذكر في بعض الروايات عن عمرو بن عبيد، لكن المشهور عنهم هو إنكار الخلق والقدرة، لشبه قامت في نفوسهم ليس هذا موضع تفصيلها.
فهاهنا إذا إطلاقان للفظ القدرية مشهوران:
الإطلاق الأول: وهو المشهور عند الصحابة وأئمة السلف، ومن بعدهم: من أنه يطلق على نفاة العلم والكتابة، وهؤلاء قد كفرهم أئمة السلف، وقد ذكر عنهم: أنهم انقرضوا، والله أعلم بذلك؛ إذ قد تغير الحال في هذا الزمان, وقد سمعنا ممن هو معتقد لهذا المذهب، والله المستعان.
قال الإمام وكيع بن الجراح: (القدرية يقولون: الأمر مستقبل، وإن الله لم يقدر المصائب، وهذا هو الكفر) أخرجه ابن بطة في الإبانة(2/261).
وسئل الإمام أحمد عمن قال بالقدر يكون كافرا؟ قال: (إذا جحد العلم، إذا قال: الله جل وعز لم يكن عالما حتى خلق علما فعلم، فجحد علم الله عزوجل: كافر) أخرجه الخلال في السنة(3/529).
الإطلاق الثاني: وهو المشهور عند جماهير العلم من السلف والخلف: من إطلاق لفظ القدر على المعتزلة أتباع واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، الذين أقروا بالعلم والكتابة، لكن أنكروا الخلق والمشيئة، لشبهات قامت في نفوسهم، وهؤلاء لم يكفرهم الأئمة، بل حكموا عليهم بالبدعة المغلظة، كما ذكر ذلك عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كتبه.
وهذان الإطلاق كل منهما يطلق على القدرية النفاة، وهما من أشهر الإطلاقات عند جمهور الناس.
لكن هاهنا إطلاق ثالث, وجد في كلام بعض السلف: وهو إطلاق لفظ القدرية على الجبرية المثبتة؛ القائلين بأن العباد مجبورون ومقسورون على أفعالهم الاختيارية، بمعنى أنه لا اختيار لهم ولا مشيئة؛ وهذا الإطلاق لا يكاد يشتهر إلا عند بعض الناس, وسبب هذا الإطلاق أمران:
أحدهما: أن جماع الأمر الذي اشترك فيه القدرية النفاة والقدرية المجبرة هو الخوض بالباطل في القدر.
الثاني: أن القدرية الجبرية بالغوا في إثبات القدر, وغلوا فيه حتى أنكروا قدرة العباد ومشيئتهم الاختيارية.
ومما يدل على ذلك صنيع الإمام الخلال في كتابه السنة حيث قال: (الرد على القدرية وقولهم: إن الله جبر العباد على المعاصي) السنة(3/549) -دار الراية-.
قال ابن تيمية: (ولهذا كان يدخل عندهم -يعني السلف- المجبرة في مسمى القدرية المذمومين؛ لخوضهم في القدر بالباطل؛ إذ هذا جماع المعنى الذي ذمت به القدرية) مجموع الفتاوى(3/322).
وقال أيضا في معرض رده على من يدعي شهود الحقيقة الكونية, ويغفل عن الحقيقة الشرعية من غلاة المتصوفة المجبرة: (وهؤلاء يدخلون في مسمى القدرية الذين ذمهم السلف، بل هم أحق بالذم من المعتزلة ونحوهم؛ كما قال أبو بكر الخلال في كتابه: السنة: الرد على القدرية, وقولهم: إن الله أجبر العباد على المعاصي....- إلى أن قال ابن تيمية-: والمقصود هنا: أن الخلال وغيره من أهل العلم أدخلوا القائلين بالجبر في مسمى القدرية وإن كانوا لا يحتجون بالقدر على المعاصي، فكيف بمن يحتج به على المعاصي، ومعلوم أنه يدخل في ذم من ذم من القدرية من يحتج به على إسقاط الأمر والنهي أعظم مما يدخل فيه المنكر له؛ فإن ضلال هذا أعظم، ولهذا قرنت القدرية بالمرجئة في كلام غير واحد من السلف، وروي في ذلك حديث مرفوع؛ لأن كلا من هاتين البدعتين تفسد الأمر والنهي والوعد والوعيد؛ فالإرجاء يضعف الإيمان بالوعيد، ويهون أمر الفرائض والمحارم، والقدري إن احتج به كان عونا للمرجئ, وإن كذب به كان هو والمرجئ قد تقابلا, هذا يبالغ في التشديد, حتى لا يجعل العبد يستعين بالله على فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، وهذا يبالغ في الناحية الأخرى) مجموع الفتاوى(8/103-106).
وقال ابن أبي العز الحنفي: (وقد تسمى الجبرية قدرية؛ لأنهم غلوا في إثبات القدر) شرح الطحاوية (2/797).
هذا، والحمد لله رب العالمين.

الشيخ عادل مقراني حفظه الله تعالى

لمؤلف: 
د. عادل مقراني
بسم الله الرحمن الرحيم
الدعوةُ السَّلفيَّة المبَارَكة
إن السَّلفيَّة منهج رباني كامل بكمال هذا الدين، قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلام دينا} [المائدة: 3 ]، قال الإمام اللالكائي رحمه الله:«والحمد لله الذي كمل لهذه الطائفة سهام الإسلام،وشرفهم بجوامع هذه الأقسام ،وميزهم من جميع الأنام؛ حيث أعزهم الله بدينه،ورفعهم بكتابه ،وأعلى ذكرهم بسنته،وهداهم إلى طريقته وطريقة رسوله ؛فهي الطائفة المنصورة والفرقة الناجية والعصبة الهادية والجماعة العادلة المتمسكة بالسنة التي لا تريد برسول الله صلى الله عليه وسلم بديلا ،ولا عن قوله تبديلا ،ولا عن سنته تحويلا ،ولا يثنيهم عنها تقلب الأعصار والزمان ،ولا يلويهم عن سمتها تغير الحدثان ،ولا يصرفهم عن سمتها ابتداع من كاد الإسلام ليصد عن سبيل الله ويبغيها عوجا ويصرف عن طرقها جدلا ولجاجا-ظنا منه كاذبا وتخمينا باطلا- أنه يطفئ نور الله ،والله متم نوره ولوكره الكافرون»(1).السَّلفيَّة هي الإسلام الصحيح الذي ارتضاه الله لعباده لإصلاح دينهم ودنياهم ،ولا صلاح لهم إلا به ،قال تعالى:{ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}[آل عمران: 85]،قال وهب بن كيسان رحمه الله : «اعلموا أنه لا يصلح آخر هذا الأمر إلا ما أصلح أوله»(2).فالدعوة السَّلفيَّة دعوة مباركة لأنها :
أولا: دعوة الكتاب والسنة:
قال الشيخ الألباني رحمه الله:«الدعوة السَّلفيَّة هي دعوة الإسلام الصحيح نفسه، دعوة الكتاب والسنة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم ، وكانت خاتمة الدعوات، وآخر الشرائع، وآخر الأجيال، وإنما لم يكن يطلق عليها ذلك؛ لأنه لم يكن هناك حاجة، فالمسلمون الأولون كانوا على الإسلام الصحيح، فلم
تكن هناك حاجة أو داعٍ للقول: الإسلام السلفي، أو الدعوة السلفية»(3).
والسَّلفيَّة هي الدين الذي أمر الله الناس أن يعتصموا به؛ لأنها حبله المتين ،قال سبحانه:{ واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}[آل عمران: 103] وقال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}[النساء: 59]
فالسَّلفيَّة صراط الله المستقيم الذي أمرنا باتباعه، روى ابن أبي عاصم بسنده إلى جابر بن عبد الله قال:كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلمفخط خطا هكذا أمامه فقال : «هذا سبيل الله عز وجل» ، وخط خطا عن يمينه ، وخط خطا عن شماله ، وقال: «هذه سبل الشيطان» ، ثم وضع يده في الخط الأوسط ، ثم تلا هذه الآية: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}[الأنعام: 153]»(4)، وهي سبيل الحق في الدعوة إلى الله تعالى، {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}[يوسف: 108] ،وهي المنهج الذي رضي الله عن أهله ،فقال سبحانه: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} [التوبة: 100] .
ولما كانت السَّلفيَّة هي دعوة الكتاب والسنة ، وهي الدين الإسلامي الحنيف ؛ نصرها الله تعالى وأظهرها وميز أهلها عن غيرهم ،قال صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون» (5) ،كما أن الله تعالى توعد من أعرض عن الهدي الذي أرسل به محمدا صلى الله عليه وسلم واتبع غير سبيل المؤمنين ،فقال: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} [النساء: 115].
ثانيا: دعوة إلى الكتاب والسنة :
فأظهر أصول الدعوة السَّلفيَّة المباركة التي عرفت وتميزت بها عن بقية المناهج والدعوات الضالة؛ الدعوة للاعتصام بالكتاب والسنة ،قال الإمام مالك رحمه الله:«إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في قولي، فكلُّ ما وافق الكتابَ والسنَّةَ فخذوا به، وما لم يوافق الكتابَ والسنةَ فاتركوه»(6)
وقال الإمام الشافعي رحمه الله:« ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزب عنه، فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت ،فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قولي »(7)، وقال رحمه الله: « كل ما قلت : وكان عن النبي صلى الله عليه وسلمخلاف قولي مما يصح ؛فحديث النبي صلى الله عليه وسلمأولى ولا تقلدوني »(8)، وقال رحمه الله« إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت »(9).
وقال ابن تيمية رحمه الله:« جماع الفرقان بين الحق والباطل ، والهدى والضلال والرشاد والغي ، وطريق السعادة والنجاة ، وطريق الشقاوة والهلاك ؛ أن يجعل ما بعث الله به رسله وأنزل به كتبه هو الحق الذي يجب اتباعه ، وبه يحصل الفرقان والهدى والعلم والإيمان ، فيصدق بأنه حق وصدق ، وما سواه من كلام سائر الناس يعرض عليه ، فإن وافقه فهو حق ، وإن خالفه فهو باطل» (10)
وقال أبو المظفر السمعاني رحمه الله:« وأمّا أهل الحق؛ فجعلوا الكتاب والسنة أمامهم، وطلبوا الدين من قبلهما، وما وقع من معقولهم وخواطرهم، عرضوه على الكتاب والسنة؛ فإن وجدوه موافقاً لهما قبلوه، وشكروا الله عز وجل، حيث أراهم ذلك ووفقهم عليه، وإن وجدوه مخالفاً لهما تركوا ما وقع لهم، وأقبلوا على الكتاب والسنة، ورجعوا بالتهمة على أنفسهم؛ فإن الكتاب والسنة لا يهديان إلا إلى الحق، ورأي الإنسان قد يرى الحق، وقد يرى الباطل».(11)
ثالثا: دعوة لاتباع منهج السلف الصالح:
لأن منهج السلف أسلم وأعلم وأحكم ؛ فكان جامعا لكل خير من العلم والحلم والرحمة والحكمة، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: «ومن المعلوم بالضرورة لمن تدبر الكتاب والسنة، وما اتفق عليه أهل السنة والجماعة من جميع الطوائف: أن خير قرون هذه الأمة -في الأعمال والأقوال، والاعتقاد وغيرها من كل فضيلة أن خيرها-: القرن الأول، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلممن غير وجه، وأنهم أفضل من الخلف في كل فضيلة: من علم، وعمل، وإيمان، وعقل، ودين، وبيان، وعبادة، وأنهم أولى بالبيان لكل مشكل، هذا لا يدفعه إلا من كابر المعلوم بالضرورة من دين الإسلام، وأضله الله على علم؛ كما قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "من كان منكم مستنًا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد: أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم" ،وقال غيره: عليكم بآثار من سلف؛ فإنهم جاءوا بما يكفي وما يشفي ولم يحدث بعدهم خير كامن لم يعلموه»(12)
وقد اجتمعت كلمة أهل العلم من أهل الحق على وجوب الدعوة إلى منهج السلف الصالح ، والتحذير من مخالفتها أو اتخاذها ظهريا ، قال الشافعي رحمه الله في الصحابة رضي الله عنهم: «رأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا»(13)، وقال ابن القيم رحمه الله بعده: «ونحن نقول ونصدق أن رأي الشافعي والأئمة معه لنا خير من رأينا لأنفسنا؛ وقد جعل الله سبحانه في فطر العباد تقليد المتعلمينَ لِلْأُسْتَاذيْنِ وَالْمُعَلِّمِينَ، ولا تقوم مصالح الخلق إلا بهذا، وذلك عام في كل علم وصناعة»ٍ.(14)
وقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله:«ولا تجدُ إماماً في العلم والدين، كمالك والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، ومثل الفضيل وأبي سليمان ومعروف الكرخي وأمثالهم، إلا وهم مُصرحون بأن أفضل علمهم ما كانوا فيه مُقتدين بعلم الصحابة، وأفضل عملهم ما كانوا فيه مُقتدين بعمل الصحابة، وهم يرون أن الصحابة فوقهم في جميع أبواب الفضائل والمناقب» (15) وقال رحمه الله: «ولهذا كان معرفة أقوالهم في العلم والدين وأعمالهم خيرا وأنفع من معرفة أقوال المتأخرين وأعمالهم في جميع علوم الدين وأعماله، كالتفسير وأصول الدين، وفروعه، والزهد،والعبادة والأخلاق، والجهاد، وغير ذلك، فإنهم أفضل ممن بعدهم،كما دل عليه الكتاب والسنة، فالاقتداء بهم خير من الاقتداء بمن بعدهم، ومعرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين خير وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم.وذلك أن إجماعهم لا يكون إلا معصوما ، وإذا تنازعوا فالحق لا يخرج عنهم،فيمكن طلب الحق في بعض أقاويلهم،ولا يحكم بخطأ قول من أقوالهم حتى يعرف دلالة الكتاب والسنة على خلافه، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} [النساء:59]».(16)
وقال ابن القيم رحمه الله:«فالطريق مسدودة إلا على من اقتفى آثار الرسول واقتدى به في ظاهره وباطنه ،فلا يتعنى السالك على غير هذا الطريق؛ فليس حظه من سلوكه إلا التعب،وأعماله كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ولا يتعنى السالك على هذا الطريق؛ فإنه واصل ولو زحف زحفا، فأتباع الرسول إذا قعدت بهم أعمالهم قامت بهم عزائمهم وهمهم ومتابعتهم لنبيهم »(17)
ويقول الآجري رحمه الله: «علامةُ من أراد الله عز وجل به خيراً سلوك هذه الطريق، كتاب الله عز وجل وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم ، وسنن أصحابه رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان رحمة الله تعالى عليهم، وما كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد، إلى آخر ما كان من العلماء؛ مثل الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل والقاسم بن سلام، ومن كان على مثل طريقتهم، ومجانبة كل مذهبٍ لا يذهب إليه هؤلاء العلماء »(18).
رابعا: دعوة التوحيد الخالص :
لقد قامت هذه الدعوة السَّلفيَّة المباركة على التوحيد والدعوة إليه ؛ لأنه أعظم ما أمر الله به ، وهو إفراده بما يختص به، والنهي عن أعظم ما نهى عنه وهو: الشرك؛ فالدعوة إلى التوحيد هي ميراث الأنبياء والمرسلين ،كما قال تعالى:{وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}[الأنبياء: 25]،وقال تعالى:{ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} [النحل: 36 ]
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية الإجماع، فقال رحمه الله:«قد علم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلمواتفقت عليه الأمة أن أصل الإسلام وأول ما يُؤمر به الخلق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ،فبذلك يصير الكافر مسلما ،والعدو وليا ،والمباح دمه وماله معصوم الدم والمال ، وهذه قاعدة من قواعد الدعوة إلى الله ،وهو منهج الرسول وأتباعه :الدعوة إلى التوحيد أولا وإلى شهادة أن لا اله إلا الله وإلى تحكيم الشريعة »(19)
فالدعوة إلى التوحيد عند السلفيين أعظم ما قامت به وعليه دعوتهم المباركة ؛لأنه أصل أصول دينهم ،فهو حق الله على العباد،كما جاء في الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً )،(20) وهو أول مقام يقوم فيه الداعي إلى الله تبارك وتعالى ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلملمعاذ بن جبل لما أرسله إلى اليمن:«إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه :شهادة أن لا إله إلا الله،فإن هم أطاعوك لذلك؛فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم »(21)،وقال ابن أبي العز الحنفيرحمه الله: «اعلم أن التوحيد أول دعوة الرسل، وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله عز وجل، قال تعالى:{لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}[الأعراف: 59]، وقال هود عليه السلام لقومه: {وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [الأعراف: 65]، وقال صالح عليه السلام لقومه: {وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}[الأعراف: 73]، وقال شعيب عليه السلام لقومه:{وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}[الأعراف: 85]، وقال تعالى:{ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل: 63]، وقال تعالى:{وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}[الأنبياء: 25]وقال صلى الله عليه وسلم:(أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله )، ولهذا كان الصحيح أن أول واجب يجب على المكلف شهادة أن لا إله إلا الله، لا النظر، ولا القصد إلى النظر، ولا الشك، كما هي أقوال لأرباب الكلام المذموم».(22)
وقال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي- حفظه الله-:«تلك هي دعوة الأنبياء جميعاً ؛وعلى رأسهم أولو العزم من الرسل ـ عليهم السلام ـ يبدءون دعوتهم بالتوحيد في كل زمان ومكان؛ مما يدل على أن هذا هو الطريق الوحيد الذي يجب أن يسلك في دعوة الناس إلى الله تعالى، وسنة من سننه التي رسمها لأ نبيائه وأتباعهم الصادقين، لا يجوز تبديلها ولا العدول عنها».(23)
فالسَّلفيَّة من أظهر خصائصها وأجل أصولها وأبين دعائمها؛ الدعوة إلى التوحيد تعلمًا وتعليمًا وعملاً؛ لذا كان أهل السنة والجماعة على مر العصور أعرف الخلق بمعبودهم ،وأحرص الناس على تحقيق توحيده؛ لأنهم يعتقدون أن دين الله مبناه على التوحيد، قال الشيخ السعدي رحمه الله: «القرآن كله لتقرير التوحيد ونفي ضده، وأكثر الآيات يقرر الله فيها توحيد الألوهية، وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، ويخبر أن جميع الرسل إنما أرسلت تدعو قومها إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، وأن الله تعالى إنما خلق الجن والإنس ليعبدوه، وأن الكتب والرسل بل الفطر والعقول السليمة كلها اتفقت على هذا الأصل، الذي هو أصل الأصول كلها، وأن من لم يَدِنْ بهذا الدين الذي هو إخلاص العبادة والقلب والعمل لله وحده فعمله باطل».(24)
وكانوا أكثر أهل القبلة سعيا لتبصير الناس بحق الله تعالى عليهم والدعوة إليه «وعندما نتأمل سيرة سلفنا الأخيار – رحمهم الله وأسكنهم الجنة، وجزاهم عن المسلمين خير الجزاء – نرى عظم عنايتهم بالعقيدة، وشدة اهتمامهم بها، وأنهم يقدمونها في الاهتمام والعناية على كل الأمور، فهي أعظم مطالبهم، وغاية مقاصدهم، وأنبلُ وأشرفُ أهدافهم، وقد تنوعت عنايتُهم بالعقيدة عبر مجالاتٍ مختلفةٍ وجهودٍ متنوعة، ومن عنايتهم بها وهو من أسباب حفظها وثباتها وبقائها، تأليفهم فيها المؤلفات النافعة، والكتب المفيدة التي تُقررُ العقيدة، وتُبينها وتوضحها وتذكر شواهدها ودلائلها، وتذُب عنها كيد الكائدين، واعتداء المعتدين، وتعطيل المعطلين، وتحريف الغالين، ونحو ذلك مما قد يُحاك حولها وتُستهدف به، فقام السلفُ – رحمهم الله – في هذا المجال العظيم بجهود ضخمة، وأعمال كبيرة، خدمة للعقيدة، ونصرة لها، وقياماً بالواجب العظيم تجاهها، وكتبوا فيها بياناً وتوضيحاً واستشهاداً واستدلالاً مئات الكتب، بل الآلاف بين مطول ومختصر، وبين شامل لجميع أبوابها، ومختص في جانب من جوانبها، بين مُؤصل للحق والصواب، وراد على المخالف المرتاب، ثم اللاحق منهم يأخذ العقيدة عن السابق واضحةً وضوح الشمس في رابعة النهار، بينة لا لبس فيها ولا غموض؛ لصحة شواهدها، وسلامة دلائلها وقوتها، ووضوحها وبيانها، فتوارثها المؤمنون المتبعون جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد قرن، كل جيل يأتي يتعاهدها تعاهداً عظيماً، ويرعاها رعاية كبيرة ثم يؤديها إلى من بعده كما هي دون تغييرٍ أو تبديل أو تحريف أو نحو ذلك، فيأتي الجيل الذي بعدها فيعتني بها عناية أسلافه، ويهتم بها اهتمام من قبله فيحافظ عليها، وهكذا توارثتها القرون جيلاً بعد جيل، ولا تزال طائفةٌ من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الحق منصورةً لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم إلى أن تقوم الساعة»(25).
خامسا: ثبات عقيدتهم وسلامة منهجهم من المحدثات:
قال أبو المظفر السمعاني رحمه الله:«ومما يدل على أن أهل الحديث على الحق؛ أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولها إلى آخرها، قديمها وحديثها، وجدتها مع اختلاف بلدانهم وزمانهم وتباعد ما بينهم في الديار، وسكون كل واحد منهم قطراً من الأقطار، في بيان الاعتقاد على وتيرةٍ واحدةٍ ونمطٍ واحدٍ، يجرون فيه على طريقة لا يحيدون عنها ولا يميلون عنها، قلوبهم في ذلك على قلب واحد، ونقلهم لا ترى فيه اختلافاً ولا تفرقاً في شيء ما وإن قل، بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم وجدته كأنه جاء عن قلب واحد وجرى على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبين من هذا؟ قال الله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82]، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا}[آل عمران: 103]» (26).
فالمنهج السلفي هو منهج الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة الطائفة المنصورة لأنهم جماعة الحق المعتصمون بما أمرهم ربهم،و المجتنبون للفرقة والاختلاف،كما حذرهم ربهم سبحانه{ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم} [آل عمران: 105]،وكما قال الطحاوي رحمه الله: «ونرى الجماعة حقا وصوابا، والفرقة زيغا وعذابا »(27)
السَّلفيَّة هي الإسلام ، وهي الدعوة المباركة التي أعز الله تعالى بها سلف هذه الأمة ، وأعلى قدرهم، وأبقى بسببها ذكرهم ،وأمر باتباعهم ،كما قال سبحانه:{ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}[النساء: 115].
فالسَّلفيَّة هي منهج الحق ،وطريق الله المستقيم؛ لأنها دعوة أهل السنة ،والجماعة الجامعة لكل خير،هي دعوة الطائفة المنصورة، ودعوة أهل الحديث والأثر،التي وعد الله أهلها بالاستخلاف والتمكين؛ لأنها قائمة على التوحيد الخالص ،قال تعالى:{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} . [النور: 55]، وهو المنهج الذي يحصل به الأمن للعباد في الدنيا ولآخرة ، قال سبحانه:{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}[الأنعام: 82]
والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
د/ عادل مقراني .
أستاذ بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية-قسنطينة-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/22).
2-التمهيد لابن عبد البر (8/332) .
3-من الدروس الصوتية للشيخ الألباني رحمه الله.
4-السنة لابن أبي عاصم ، ص:13.
5-أخرجه البخاري، برقم: 7311.
6-جامع بيان العلم لابن عبد البر( 2/91).
7-تاريخ دمشق لابن عساكر( 15/ 1 ، 3 ) .
8-الفقيه والمتفقه :الخطيب البغدادي (1/150).
9-إعلام الموقعين ( 4 / 233 ).
10-الفتاوى (3 1 / 35 1 ، 36 1 ).
11-مختصر الصواعق ،ص: 496.
12-مجموع الفتاوى (4/157-158) .
13-أعلام الموقعين (2/186).
14-أضواء البيان (7/320).
15-شرح العقيدة الأصفهانية ،ص:128.
16-مجموع الفتاوى (13/24) .
17-مدارج السالكين (3/144).
18-الشريعة (1/301).
19-نقلا عن تيسير العزيز الحميد،ص: 127.
20-أخرجه البخاري برقم: 5622 ، ومسلم برقم: 30.
21-أخرجه البخاري برقم: 1389 ،ومسلم برقم:1731.
22-شرح العقيدة الطحاوية، ص:77.
23-منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل،ص: 26-27.
24-القواعد الحسان لتفسير القرآن ،ص:20 .
25-ثبات عقيدة السلف : عبد الرزاق البدر، ص: 3
26-مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم (ص:518).
27-شرح الطحاوية،ص:314.

الشيخ ابو معاذ محمد مرابط حفظه الله تعالى

المؤلف: 
أبو معاذ محمد مرابط
بسم الله الرحمن الرحيم
حمم البراكين على شاتم رسول رب العالمين
إني لأرخص دون عرضك مهجتي.... روحٌ تروح ولا يمس حماك
شـلت يمين صورتـك وجمـدت....وسط العروق دماء من آذاك
الحمد لله القائل في كتابه {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}، والقائل مخبرا عن نبيّه صلى الله عليه وسلم{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، الذي امتنّ سبحانه على عبادة بنبيّ الرحمة فقال: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}. وأوجب طاعته وحذر من مخالفته فقال {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.
ثم الصلاة والسلام على صاحب الخلّة والشفاعة، محمد بن عبد الله أشرف الخلائق إلى قيام الساعة، القائل: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفَّع» (1)، والقائل: «والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلتُ به، إلا كان من أصحاب النار» (2) ، فاللهم صلّ وبارك على عبدك وخليلك محمد وعلى آله الطيبين الأطهار، وصحابته المنتجبين الأخيار، وسلم تسليما مزيدا.
ثم أما بعد:
لقد فجع المسلمون في نبيّهم صلى الله عليه وسلم، وهذا بعدما تطاولت زمرة من الخنازير البشرية في بلاد فرنسا على عرض نبيّ الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم في مجلّتهم (شارلي إيبدوا)، وتواطأت الأغلبية الساحقة من الفرنسيين حكومة وشعبا على هذه الجريمة الشنعاء و الفعلة النكراء.
فإليهم وإلى كل من وافق وأيد أبعث بهذه الرسالة نصرة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا أعني بها إخواننا المسلمين من تلك البلاد، بل حتى الكفار الذين لم يوافقوا ورفضوا تلك الخرجة الحاقدة . وهذا من الانصاف الذي فرض علينا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم الناس عند الله فرية: لرجل هاجى رجلا فهجا القبيلة بأسرها، ورجل انتفى من أبيه وزنّى أمّه» (3).
فاتحة الحمم:
لقد تنامت أحقاد عُبّاد الصليب، ووجّهت نبالهم لعرض نبيّنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، فقضوا أوقاتهم في العويل والنحيب، والتحق بهم كل تعيس وشقي وكئيب.
إنها غربان فرنسا الجائعة، التي لا تأنف عن ملئ بطنها من عذرة الكلاب، لأن أقصى ما تأمله في دنياها أنفاس تضمن لها عيش البؤس والشقاء.
فيا أمة الخنى والزنا، ويا أمة العصور الوسطى المظلمة التي لم تعرف عصر الازدهار إلاّ بعد القرن السادس عشر! ما أحوجكم لِلُويس آخر! يذكركم بصنائع سلطانكم لويس الرابع عشر، الذي أذل رقابكم وأرغم أنوفكم، وكان يقول: (أنا الدولة والدولة أنا!)، وهي بذرة الديمقراطية المنحرفة التي صدعتم بها رؤوسنا اليوم كذبا وفجورا!.
نعم! ما أحوجكم لسياسته الفرعونية التي جثم بها على صدوركم أربعا وخمسين سنة، وملك رقابكم وعمره خمس سنوات!! وبذلك دخلتم تاريخ الذلة والمسكنة من أوسع أبوابه، لقد اكتشف خساسة طباعكم فسامكم سوء العذاب، وأجبر الكثيرين منكم على ترك ديانتهم، لاسيما البروتستانت، فاعتنق مئات الألوف مذهب الأغلبية رغما عنهم؟ وهرب من حكمه-كما شهدت كتبكم- ثلاثمائة ألف فرنسي!! جلّهم من المثقفين!، وهي الحقيقة التي أثبتتها تواريخكم، ونطقت بها ألسنتكم.
يا أمة الظلم ويا دولة البغي! تتحدثون عن الإرهاب وفي أرضكم غرست بذرته، وتدعون نبذ الإجرام ومن تحت سمائكم نُسجت خيوطه، وتزعمون أنكم أرباب الحريات وسادات الديمقراطية! وكأن العالم خلى من عارف بتاريخكم !
لن نذكر ماضيكم الأسود على أرض الجزائر! لأنه وبكل بساطة قد أضحى عنوانكم الذي تعرفون به، فما فعلتموه بالمسلمين على أرضهم يشبه الخيال الذي أذهل العالم! وبقي راسخا في ذاكرة التاريخ، وسيبقى!
إنما نحدثكم بهول الحقائق التي تسعون لإخفائها لأنها تبرز جاهليتكم المقيتة، وانحطاطكم الأخلاقي وحضارتكم المزيفة الحديثة، التي من عرف شيئا منها أدرك وتيقن أنكم كلاب كلِبة استوطنت الغاب فخرجت فجأة حتى تفسد في دنيا الناس.
يا أمة الشذوذ! قد نبتت أشواككم في أرض الحروب والمعارك العنصرية والدينية، حتى خشي مؤرخكم الفرنسي الشهير فرناند بروديل في نهاية حياته (ت: 1985!!) أن تعود تلك الحرب المذهبية إلى فرنسا! بعدما أنهكتكم الصراعات الكاثوليكية البروتستانتية لمدة قرنين من الزمان؟!، ويومها لم يكن يطرح على موائد نقاشاتكم مشكل الإسلام والإرهاب .
بل إلى وقت قريب يا أراذل أوروبا كادت رياح الحروب السياسية بين المعسكر الشيوعي والمعسكر الرأسمالي تقلع جذور دولتكم التافهة؟ ولازلتم تعانون من آثارها إلى يومنا هذا، ولكن بخبث سياسي تكتمون صيحاتكم.
يا أمة العار نصبتم أنفسكم حماة للحرية والعدالة، والكل يعلم أن الظلم والاضطهاد خرج من جحوركم! وعقلاء المعمورة يدركون سبب تشريعكم لقانون تجريم العداء لليهود الذي عُرف بقانون معاداة السامية، ويومها لم يكن الإسلام ليذكر لأنه وبكل بساطة كان أهله يتفرجون بكل دهشة على مجازر النصارى التي قاموا بها في حق إخوان القردة والخنازير، وكان هذا في حدود القرن التاسع عشر.
وهذا كاتبكم المشهور جارودي ألقيتموه في السجن وهو من أكبر كتابكم بسبب إنكاره للمحرقة النازية لليهود! فأين هي الحريات والديمقراطية الغوغائية ؟!التي أطلقتم لها العنان عندما تعلق الأمر برسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم.
يا أمة الغباء –وبه عرفتم في أوروبا- تجتهدون ليل نهار لتشويه صورة الإسلام والمسلمين وتزعمون أن الإسلام يحث على كراهية اليهود ويأمر باجتثاثهم! ولكن نور الحقيقة ينجلي لمن رزق ذاكرة ومعرفة بتاريخكم المخزي
فإلى وقت قريب جدا وتحديدا في سنة: 2003 وقع استفتاء أوروبي اهتزت له الدنيا، خلص إلى أن (59 %) من الأوروبيين يرون أن اليهود يشكلون خطرا على السلام العالمي، وارتجت الدنيا لهذه النتيجة! ووقعت بسببها زوبعة كبيرة من الانتقادات، حتى اتخذ اليهود موقفا من دولة فرنسا الفاجرة واتهموها يومها بمعاداتهم، وهو ما يفسر المناورات الفرنسية منذ ذلك الوقت لإرضائهم. (4).
واقعة شارلي إيبدو
هي واقعة حُقّ للمؤرخ المعاصر أن يدوّنها في سجل التاريخ الحديث، ويصنف فيها صحفا وكتبا تقييد وقائعها، كيف لا؟! وقد شهدت تعدّي أبناء الزنا على أشرف الخلق وأفضل الرسل، نبينا وحبيبنا خليل الرحمن محمد صلى الله عليه وسلم ؟!
وعلى الأجيال أن تدرك أن فرنسا تتبنّى الحرية ولا تلدها! وتنكر النازية وتأويها!! فتتظاهر بمعاقبة من يرسم رجلا أسودا وهو يمسك حبة موز، وتعتبر ذلك من العصبية المنهي عنها، والعنصرية التي يعاقب عليها القانون، ثم تترك هذه الدولة الماجنة كلابها تنتقص من عرض سيّد الخلق صلى الله عليه وسلم الذي لولا الغباء الذي عرف عن الفرنسيين لما سمحوا بأن يمسّ عرض نبي من الأنبياء تعظمه دول وأمم تربطها علاقات وطيدة بها!!، ولو لا الغباء لما سمحت فرنسا بذلك التهجم الفاجر وفي أرضها يوجد أكثر من خمسة ملايين مسلم! فيهم الجاهل والمندفع وصنوف أخرى من العقليات التي قد تثور في أي لحظة انتقاما لرسولها صلى الله عليه وسلم.
فهذه هي الحريات المزيفة التي يريد الفرنسيون نشرها، وهم بهذا -لفرط غبائهم- يحاولون إظهار أنفسهم أنهم أشد حرصا على الديمقراطية من بريطانيا وأمريكا، وغيرها من الدول الكافرة التي كانت أكثر ذكاء من بني العهر .
إن تعرض مجلة الكفر والزندقة لعرض حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم يعد من نوائب الدهر التي زلزلت أفئدة المسلمين، فتألم منها الرضيع في مهده، وتحرك لهولها أضعف الناس غيرة على دين الإسلام.
فلو تخلص الفرنسيون من عقدة الحقد والعداء لدين الله سبحانه،لأخذوا بقول المنصفين من فلاسفتهم الذين أنصفوا الإسلام، وقالوا كلمة الحق في نبينا صلى الله عليه وسلم!.
فهذا المفكر الفرنسي لمارتين الشهير يقول: (محمد هو النبي الفيلسوف الخطيب المشرع المحارب قاهر الأهواء وبالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية أود أن أتساءل هل هناك من هو أعظم من النبي محمد )!، ويقول المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون : (إن محمدا هو أعظم رجال التاريخ ).
فهذا والله من إكرام الله سبحانه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أخرج من صلب أعدائه من يشهد له بمثل هذه الشهادات، التي تكسر غرور الأفاكين من بني جلدتهم.
واقعة عسّاف (و) النصراني سابّ النبي صلى الله عليه
لقد شهد تاريخ الإسلام واقعة مماثلة لهذه الفاجعة التي نتحدث عنها، لكن من أعظم المفارقات بين واقعة الأمس وواقعة اليوم أن الأولى كان لها رجال! وأي رجال؟! إنه ابن تيمية الحرّاني!!
إنها من الأحداث العظيمة التي كانت لها تداعيات كثيرة وكبيرة، ويكفي منها أن يكون كتاب الصارم المسلول على شاتم الرسول لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من آثارها.
بقول الحافظ ابن كثير رحمه الله (البداية والنهاية 17 / 665-666 ط.المعرفة) وهو يذكر حوادث سنة 693:
كان هذا الرجل من أهل السويداء قد شهد عليه جماعة أنه سب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استجار عساف هذا بابن أحمد بن حجي أمير آل علي، فاجتمع الشيخ تقي الدين ابن تيمية، والشيخ زين الدين الفارقيّ شيخ دار الحديث، فدخلا على الأمير عز الدين أيْبَك الحموي نائب السلطنة، فكلماه في أمره، فأجابهما إلى ذلك، وأرسل ليحضره، فخرجا من عنده ومعهما خلق كثير من الناس، فرأى الناس عسَّافًا حين قدم ومعه رجل من العرب، فسبوه وشتموه، فقال ذلك الرجل البدوي: هو خير منكم. يعني النصراني، فرجمهما الناس بالحجارة، وأصابت عسّافا، ووقعت خبطة قوية، فأرسل النائب، فطلب الشيخين ابن تيمية والفارقي، فضربهما بين يديه، ورسم عليهما في العَذْراوِية، وقدِم النصراني، فأسلم وعقد مجلس بسببه، وأثبت بينه وبين الشهود عداوة، فحقن دمه، ثم استدعى بالشيخين فأرضاهما وأطلقهما، ولحق النصراني بعد ذلك ببلاد الحجاز، فاتفق قتله قريبا من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتله ابن أخيه هنالك، وصنف الشيخ تقي الدين ابن تيمية في هذه الواقعة كتابه "الصارم المسلول على ساب الرسول". اهـ
وقبل أن أذكر بعض الفوائد المهمة التي نستخلصها من هذه الواقعة، أنقل جزءا مهما من مقدمة الإمام ابن تيمية رحمه الله على كتابه الصارم، حتى أضم فوائده لفوائد نص ابن كثير رحمه الله ، فهو في غاية الأهمية.
قال رحمه الله (الصارم المسلوم 2/8-9 ط. رمادي):
(فاقتضاني لحادث حدث أدنى ماله من الحق علينا بل هو ما أوجب الله من تعزيزه ونصره بكل طريق وإيثاره بالنفس والمال في كل موطن وحفظه وحمايته من كل موذ وإن كان الله قد أغنى رسوله عن نصر الخلق ولكن ليبلوا بعضكم ببعض وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ليحق الجزاء على الأعمال كما سبق في أم الكتاب أن أذكر ما شرع من العقوبة لمن سب النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم وكافر وتوابع ذلك ذكرا يتضمن الحكم والدليل وأنقل ما حضرني في ذلك من الأقاويل وأردف القول بحظه من التعليل وبيان ما يجب أن يكون عليه التعويل وأما ما يقدره الله عليه من العقوبات فلا يكاد يأتي عليه التفصيل وإنما المقصد هاهنا بيان الحكم الشرعي الذي يفتى به المفتي ويقضي به القاضي ويجب على كل واحد من الأئمة والأمة القيام بما أمكن منه والله هو الهادي إلى سواء السبيل).
ما يستخلص من الواقعة
أولا:
الردّ على مزاعم القائلين بأنه لا حاجة بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى نصرتنا لأن الله عز وجل قد تكفل بذلك.
ومن تأمل في صنيع شيخ الإسلام رحمه الله يجده يرد على هذا الزعم ويفنّده، فقد قام رحمه الله قومة الأسد من عرينه نصرة للحبيب الشفيع عليه الصلاة والسلام، وتابعه إخوانه من أهل الغيرة، ولا نشك أنه رحمه الله كان من أعلم الناس بالقرآن، ومن أفقه الأمة بمعانيه، فكيف غاب عنه قوله تعالى {إنا كفيناك المستهزئين}، وهي الآية التي يضعها اليوم الكثير من المتكلمين في غير موضعها.
قال رحمه الله في كلامه السابق: (وإن كان الله قد أغنى رسوله عن نصر الخلق ولكن ليبلوا بعضكم ببعض وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب).
ومن نظر في سيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علم أن اعتقادهم بأن الله سبحانه حافظ لنبيّه صلى الله عليه وسلم، لم يمنعهم من بذل الغالي والرخيص في سبيل نصرته صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه، وعلى خطاهم سار التابعون لهم بإحسان.
ثانيا:
لقد جانب فئام من الناس سبيل أهل الحق، وخصصوا جلّ كلامهم في التحذير من الخوارج الذين نفذوا الهجوم على مقر المجلة الكافرة، وغفلوا عن جريمة أعداء رسولنا صلى الله عليه وسلم، ولم يتعرضوا لهم ولو بكلمة!!. طبعا من غير قصد منهم .
فهذا شيخ الإسلام رحمه الله يكتب كتابه الذي كان على الأمة فتحا ونصرا، ولم يكتب على الذين قتلوا ورجموا الكافر الخبيث! وأكثر من هذا لم يذكر رحمه الله فعلتهم حتى في كتابه! فقال رحمه الله: (فاقتضاني لحادث حدث أدنى ماله من الحق علينا بل هو ما أوجب الله من تعزيزه ونصره) فانظر رحمك الله في قوله:( فاقتضاني لحادث حدث)! حتى تقف على سعة علمه رحمه الله ومدى تقديره للمصالح والمفاسد.
وشبيه بهذا صنيع الإمام ابن القيم رحمه الله الذي ألف سِفره العظيم (هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى) ردّا على كلاب النصارى الذي تعرضوا للإسلام ولرسول الله صلى الله عليه وسلم بالثلب والوقيعة! فقال رحمه الله في مقدمته (هداية الحيارى ص: 20-21 ):
(وكان انتهى إلينا مسائل أوردها بعض الكفار الملحدين على بعض المسلمين فلم يصادف عنده ما يشفيه ولا وقع دواؤه على الداء الذي فيه، وظن المسلم أنه بضربه يداويه فسطا به ضربا وقال: هذا هو الجواب! فقال الكافر صدق أصحابنا في قولهم: إن دين الإسلام إنما قام بالسيف لا بالكتاب، فتفرّقا وهذا ضارب وهذا مضروب وضاعت الحجة بين الطالب والمطلوب، فشمّر المجيب ساعد العزم ونهض على ساق الجد ...)
فأنت ترى أيها اللبيب الغيور أن الإمام ابن القيم رحمه الله لم يصب جام غضبه على المسلم الذي ضرب النصارني، بل اكتفى بإشارة يسيرة إلى المفسدة التي ارتكبها المسلم، ولم يدفعه رحمه الله فعل الضارب المخالف للشرع إلى نسيان جريمة النصارى الذين كانوا دائما سباقين إلى الطعن في الإسلام، فألف رحمه الله كتابه في الرد عليهم وليس في الرد على المسلم.
ثالثا:
من المواقف التي اتخذها البعض في الآونة الأخيرة ونشرها باسم الدعوة السلفية ! إنكاره على من ابتهج فرحا بمقتل الكفرة سَبابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث ذهب يشنع عليهم وكأن الحزن ملك فؤاده على مقتل زبالة البشر! ولو أعمل هذا الرجل فكره قبل أن ينكر على غيره، لتفطن إلى الفرق الجوهري بين الفرح بتلك العملية المخالفة لمنهج أهل الحق، وبين الفرح لهلاك زمرة الرسامين المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم .
يقول الحافظ الذهبي رحمه الله وهو يتكلم عن واقعة شيخ الإسلام (تاريخ الإسلام 52/ 222ط. الكتاب العربي): (وأما عساف فقتله بقرب المدينة النبوية في ربيع الأول من هذه السنة ابن أخيه جماز بن سليمان، وفرح الناس.....)
مع أن عسافا هذا لم يسب النبي صلى الله عليه وسلم بل دافع عن السابّ النصراني ! فكان الحال كما قال الذهبي: ففرح الناس! وهذا أمر نفسي لا تحكّم فيه قد جبلت عليه نفوس أهل الإيمان.
وسبحان من وهب العقول كما وهب الأرزاق ! كيف غاب عن ذهن هذا المنِكر قوله تعالى {الم ، غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين لله الْأَمر من قبل وَمن بعد ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله}، ومن عرف أن سبب هذا الفرح هو تغلب الروم على الفرس! علم أن هذا الفرح لا يقتضي الرضى بعقائد الروم وديانتهم! وهذا الموضع في غاية الوضوح.
يقول الحافظ ابن كثير – رحمه الله– (البداية والنهاية 6/793): (فيمن توفي سنة 568 هـ الحسن بن ضافي بن بزدن التركي ، كان من أكابر أمراء بغداد المتحكمين في الدولة، ولكنه كان رافضيّاً خبيثاً متعصباً للروافض ، وكانوا في خفارته وجاهه ، حتى أراح الله المسلمين منه في هذه السنَة في ذي الحجة منها ، ودفن بداره ، ثم نقل إلى مقابر قريش ، فلله الحمد والمنَّة .وحين مات فرح أهل السنة بموته فرحاً شديداً، وأظهروا الشكر لله ، فلا تجد أحداً منهم إلا يحمد الله)، فهذا هو الشاهد: حتى أراح الله المسلمين منه!
وإن من التطفيف في ميزان النقد والتقويم: أن نفرح بهلاك ابن لادن على أيدي الأمريكان! ونسوق الأدلة من نصوص الكتاب والسنة، وآثار السلف، حتى نثبت مشروعية الفرحة بمقتل ابن لادن أو الزرقاوي، ثم نقلب القضية رأسا على عقب عندما تأتي واقعة أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم! وكأن تعدي الأمريكان على بلاد المسلمين ضرورة محتومة.
رابعا:
أن الفرح بهلاك أعداء الأنبياء والرسل لا يستلزم الرضى بأعمال الغوغاء من الخوارج وغيرهم من جهلة المسلمين! بل كل عاقل يدرك أن منهج أهل السنة يستشنع تلكم الأفعال، لا لأن الكافر الخبيث لا يستحق القتل، بل بسبب الآثار السيئة المترتبة على ذلك التصرف، وقد مر بنا أن شيخ الإسلام رحمه الله ضُرب وسجن لا لأنه أنكر جريمة النصراني! بل لأن العامة أحدثت فتنة وضربت الجاني، فنسب تصرفهم لشيخ الإسلام رحمه الله.
وإلى الله نشكو صنائع كلاب النار من الخوارج المارقين، فلاهم نصروا الإسلام، ولا هم كسروا أعداءه، فكم عانت الأمة الإسلامية من سوء فعالهم وفعال كل أصحاب العواطف الجياشة الذين لا ينقادون لشرع، ولا يحتكمون لعقل .
ومع كل هذا فالحق لابد من الصدع به: فجريمة سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشنع و أفضع، ولا وجه للمقارنة بين المفسدتين، ومن الخطأ أن نغفل عن حقيقة مهمة وهي أن تعدّي الخوارج وغيرهم من الجهلة كثيرا ما يكون ردة فعل معبرة عن سخطهم ومقتهم، ومن عاد أدراج التاريخ أدرك هذا .
خامسا:
قال الحافظ ابن كثير حمه الله: (فرأى الناس عسَّافًا حين قدم ومعه رجل من العرب، فسبوه وشتموه، فقال ذلك الرجل البدوي: هو خير منكم. يعني النصراني، فرجمهما الناس بالحجارة..) !!
فمما يستخرج من القصة أن الأعرابي المدافع عن النصراني الخبيث عومل بنفس معاملة السابّ! ونظر إليه المسلمون في ذلك الوقت نظرة مقت وازدراء، وهو ما يذكرنا بطبقة كبيرة من المنافقين المدسوسين في أوساط المجتمعات الإسلامية، وهم كالعقارب المغروسة في الرمال! فلا تشعر إلا وهم يقفون في صفوف أعداء الله من الطاعنين في دين الإسلام وفي نبيّ خير الأنام صلى الله عليه وسلم. بدعوات موبوءة، يحتجون في مواقفهم المخزية بصنم (حرية الرأي).
سادسا:
أن ولي الأمر هو المسؤول -أولا وآخرا- عن محاكمة ومعاقبة كل من طال لسانه، ونال من دين الإسلام العظيم، وقد مرّ في القصة أن أول ما قام به شيخ الإسلام رحمه الله ومن معه، التوجه إلى السلطان، لأن شؤون الناس لا تنتظم إلا بذلك، وبلزوم هذا الطريق يسود الأمن والأمان، ولو ترك الخوض في هذه الفتن إلى عواطف الناس لخلت الدور، ولملئت القبور، وكما قال شيخ الإسلام (منهاج السنة 4 / 343): (والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء.... وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله).
سابعا:
أن من أعظم ما نخرج به من تلك الواقعة وجوب تغيير هذا المنكر الشنيع، وسلوك كافة الطرق المشروعة لإنكاره وبيان خطره، ومن أنفع تلك الطرق: حث وليّ الأمر على معاقبة أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم. والأخذ بالحزم في إذلالهم وتحقيرهم.
فهذا شيخ الإسلام قام ناصحا لولي الأمر رفقة جماعة من الصالحين والعوام ، وقد ضرب وسجن رحمه الله من أجل موقفه هذا، وختم هذا الموقف المشرف بتأليف كتاب الصارم المسلول الذي بقي آية من آيات الله الدالة على إكرامه سبحانه لهذه الأمة.
ومن كلامه رحمه في مقدمته: (ويجب على كل واحد من الأئمة والأمة القيام بما أمكن منه والله هو الهادي إلى سواء السبيل)
ولا ريب أن سكوت أهل الحق في مثل هذه الحوادث المهولة يجعل نفوس الناس تألف مطاعن الكافرين في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويربي فيهم عدم الاكتراث لعرضه صلى الله عليه وسلم، فلذا وجب الصدع بالحق. وتحتم على الجميع بيان حكم الله في مقترف هذا الكفر المبين.
يقول ابن القيم رحمه الله في (هداية الحيارى ص: 20 ): (ومن بعض حقوق الله على عبده، ردّ الطاعنين على كتابه ورسوله ودينه ومجاهدتهم بالحجة والبيان والسيف والسنان والقلب والجنان وليس وراء ذلك حبّة خردل من الإيمان)
وإن من الأمثلة المعاصرة التي تؤكد ما تقرر سابقا من وجوب تغيير المنكر في مثل هذه النوازل الخطيرة، وتفرض على الداعية الصدع بالحق، ما قام به سماحة الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله من انتصار عظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وما بذله من انتقاد حازم، وردّ جليل على أحد المتطاولين على شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول رحمه الله تحت عنوان:
حكم من استهزأ بالرسول العظيم عليه الصلاة والسلام أو سبه أو تنقصه أو استحل شيئا مما حرمه
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله لقد اطلعت على ما نشرته صحيفة صوت الإسلام بالقاهرة نقلا عن صحيفة المساء المصرية الصادرة في 29 يناير الماضي من الجرأة على الجناب الرفيع والمقام العظيم مقام سيدنا وإمامنا: محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا بتمثيله بحيوان من أدنى الحيوانات، وهو الديك، لا يشك مسلم أن هذا التمثيل كفر بواح، وإلحاد سافر واستهزاء صريح بمقام سيد الأولين والآخرين ورسول رب العالمين وقائد الغر المحجلين، إنها لجرأة تحزن كل مسلم، وتدمي قلب كل مؤمن، وتوجب اللعنة والعار والخلود في النار، وغضب العزيز الجبار، والخروج من دائرة الإسلام والإيمان إلى حيز الشرك والنفاق والكفران لمن قالها أو رضي بها...)
طيب الله قبر الإمام!، انظروا رحمكم الله إلى هذا الفيض من الغيرة والحميّة لعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم!! فنرجوا من الله سبحانه أن يبعث شيئا من هذه الغيرة في قلوب المؤمنين، فقد أصبحت في يومنا هذا أعز وأغلى وأنفس مأمول.
فلم يقل رحمه الله: رسول الله صلى الله عليه وسلم غني عن نصرتنا، وأن الله قد كفاه أذية الكافرين
ولم يقل: إن هذا من التشهير بجريدة لا تستحق التهويل.
ولم يقل: إن منزلة النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب المؤمنين لا يطالها أحد! فلا داعي لتضخيم المشكلة!!
ولم يقل: إن الطعن في النبي صلى الله عليه وسلم شيء معهود! وقد عرف به أعداء الرسل منذ القديم وليس هو بالأمر الجديد!
نعم! لم يقل هذا ولا ذاك من الأقوال التي ملأت أسماعنا اليوم!! و لم يفكر في شيء من تلك الأفكار الوافدة على منهجنا ! لأن خشيته من ربه سبحانه دفعته لتبصير الأمة الإسلامية بخطورة ما يراد بها، فبقي ردّه هذا تاريخا يروى، وشاهدا يذكر صدقه وإخلاصه في اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم .
ختام الحمم:
اللهم إنّك تعلم حبنا لرسولك محمد صلى الله عليه وسلم وتعظيمنا لجنابه، وتعلم ضعفنا وقلة حيلتنا، فاللهم اغفر لنا وتجاوز عن تقصيرنا.
اللهم عليك بمن تطاول على المقام الرفيع، اللهم خذهم أخذ عاد وثمود، وأرنا فيه ما أنزلته بفرعون وقارون والنمرود. والحمد لله رب العالمين.
أبو معاذ محمد مرابط
صبيحة الإثنين
28 ربيع الأول 1436
الهامش:
(1)-(صحيح مسلم 2278)
(2)- (صحيح مسلم240)
(3)- (رواه ابن ماجة 3761 وصححه الألباني).
(4)- المقام لا يسمح بذكر مصادر كل هذه الحقائق التاريخية، وفي الخاطر فكرة كتابة مقال مستقل في هذا الجانب المهم.
 

الشيخ رضا بوشامة الجزائري حفظه الله تعالى


الشيخ خالد اوصيف الجزائري حفظه الله تعالى


الأربعاء، 18 مارس 2015

المشايخ المشاركون هم عبد الرحمان زكي ومحمد بن رمزان و عادل منصور ومحمد العنجري حفظهم الله تعالى


الشيخ محمد بن رمزان الهاجري حفظه الله تعالى


الشيخ محمد بن رمزان الهاجري حفظه الله تعالى


الشيخ محمد بن رمزان الهاجري حفظه الله تعالى


الشيخ حسن بوقليل الجزائري حفظه الله تعالى


الشيخ حسن بوقليل الجزائري حفظه الله تعالى


الشيح زيدان بريكة الجزائري حفظه الله تعالى


اتصال هاتفي بين الشيخ زيدان بريكة والشيخ محمد بازمول حفظهما الله تعالى


الشيخ زيدان بريكة الجزائري حفظه الله تعالى


الشيخ حسن بوقليل الجزائري حفظه الله تعالى


أرشيف المدونة الإلكترونية