الأربعاء، 21 يناير 2015

أسباب النصر الشرعية لشيخ زيد المدخلي

حمد لله القائل: { وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: من الآية126]
والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم القائل: ((ونُصرتُ بالرعب مسيرة شهر)) …
أيها الإخوة في الله المتطلعون إلى نصر الله لكم على أنفسكم الأمارة بالسوء وعلى كل عدوٍّ من شياطين الجن والإنس إن موضوع محاضرتي هو “أسباب النصر” لكل من يريد أن ينصر الله في نفسه وأن ينصر دينه العظيم بالتمسك به والدعوة إليه على بصيرة والجهاد في سبيله بحكمة وصدق وإخلاص ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
أيها الإخوة المسلمون المجاهدون: إن للنصر من الله -تبارك وتعالى- أسبابًا يجب الأخذ بِها، ويتعين على المجاهدين الشرفاء الاتصاف بِها على سبيل الدوام ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وها أنا أذكر بعضها على سبيل الاختصار، لتكتبوها بمداد قلوبكم، وتحفظوها بضبط صدوركم، ولتظهر آثارها في واقع حياتكم. فأقول:
  • السبب الأول :
الحرص على الإخلاص لله، والصواب في جميع ما تقومون به من فعل الطاعات الظاهرة والباطنة، وترك السيئات كذلك، إذ إنه لا يُقبل من عبد عمل من فعل طاعة أو ترك معصية إلا أن تتحقق فيه ثلاثة شروط:
– الشرط الأول: أن يكون صوابًا على وفق ما جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم من عند ربه عز و جل .
– الشرط الثاني: أن يكون خالصًا لله.
– الشرط الثالث: أن يكون المعتقد صحيحًا.
وإن من جملة الأعمال التي يتقرب بِها العباد إلى الله: الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته، ونيل جنته ورضاه، قال – تبارك وتعالى- : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: من الآية110].
  • السبب الثاني :
ملازمة تقوى الله التي تحمل صاحبها على حسن النية، وسلامة القصد وتبعثه على تزكية النفس، بطيب المطعم، والمشرب، والملبس، والمركب، وتحجزه عن سيئ القصد، وعن الغلول الذي يسبب العقوبة البرزخية والأخروية، وما قصة صاحب الشملة، وصاحب الخرزات، وصاحب الشراك، والشراكيْن عن الأذهان ببعيد، وإذن فنعم زاد المسلم التقوى.
  • السبب الثالث :
الاستقامة على الحق علمًا، وعملاً، ودعوة إليه، وتضحية في سبيل نصرته بالنفس والنفيس، والغالي والرخيص، امتثالاً لأمر الله حيث قال: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت:6].
  • السبب الرابع :
الالتزام العام الشامل بجميع تعاليم الإسلام عقيدة، وعبادة، ومعاملة، وسياسة، وحكمًا، وحربًا، وسلمًا، وسلوكًا، وخلقًا، لأنه الدين الحق فلا يقبل التجزئة في العمل بحيث يقبل بعضه، ويرفض بعضه الآخر، بحسب شهوات النفوس وهواها قال عز و جل : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]. وقال – تبارك وتعالى – : {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: من الآية85].
  • السبب الخامس :
الدوام على ذكر الله الذي شرعه لنا لننال ثناءه علينا في الملأ الطاهر الأعلى كما قال تعالى: { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152]، ولتطمئن قلوبنا كما قال تعالى: { أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: من الآية28]، ولتحيا به قلوبنا وتضاعف أجورنا كما قال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: من الآية35]. وكما يكون الذكر بالدعاء والاستغفار، فإنه كذلك يكون بقراءة القرآن، والتسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير، ذكرًا بالقلب واللسان كما قال -تبارك وتعالى-: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب: 41-42].
  • السبب السادس :
الاعتصام بالصبر، ذلك لأن الصبر يعتبر من أقوى أسباب النصر على كل عدو داخلي وخارجي، وقد أمر الله به في مواضع كثيرة من القرآن الكريم قال تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]، وأثنى الله على أهله بقوله: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: من الآية177].
  • السبب السابع :
التحلي بالصدق في كل شأن من الشئون، وفي المقدمة الصدق مع الله في تلك الصفقة الَّتِي قضاها سبحانه بينه وبين المؤمنين، ليجاهدوا في سبيله صادقين صابرين مخلصين، فيظفروا بجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله، فيها حياة بلا موت، وصحة بلا سقم، وشباب بلا هرم، ورضوان من الله لا سخط بعده.
  • السبب الثامن :
العناية والاهتمام بشأن الشعائر التعبدية، وفي المقدمة الصلاة ولو حان وقتها حين التحام القتال، وملاقاة الأقران للزم أداؤها بحسب الإمكان، إذ بِها يحصل التمكين في الأرض لدين الإسلام ،كما تحصل بِها راحة القلوب والأبدان، وتتحقق لأهلها حياة الأمن والأمان، والسيادة والسلام.
  • السبب التاسع :
الثبات في مقر النِّزال، وحومة الوغى، والتقاء الجيوش، كما قال تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45]، وقال سبحانه محذرًا من التولي والفرار لسوء عاقبته: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَار (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال:15-16].
  • السبب العاشر :
محبة السنن القولية والفعلية والعمل على إحيائها، إذ بِها تستجلب محبة الله ونصره ومدده ورضاه كما في حديث : ( ولا يزال عبدي يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أُحبَّه ) الحديث.
  • السبب الحادي عشر :
هجر المعاصي كبائرها وصغائرها، باطنها وظاهرها؛ لأنَّها سبب في العقوبات العاجلة والآجلة كما قال تعالى: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]. وقال سبحانه : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران:165].
  • السبب الثاني عشر :
قوة الثقة بالله، والتوكل عليه، فهو الناصر، وهو المعين، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، قال تعالى: { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كـُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [المائدة: من الآية23].وحقًّا: إن من توكل على الله صادقًا كفاه ونصره وآواه.
  • السبب الثالث عشر :
الحرص على التأسي بالنبي الكريم صلى الله عليه و سلم في كل شيء من سننه، ومن ذلك اختيار الأوقات التي كان يحب القتال فيها، كأول النهار لما في البكور من البركة في الأعمال، فإن لَم يكن فبعد الزوال لما في العشي من هبوب الرياح وتنَزل السكينة والنصر.
  • السبب الرابع عشر :
تنظيم الجيش الإسلامي تنظيمًا يتفق مع تعاليم الإسلام، وفنون الحرب، وأساليب القتال بحسب الزمان والمكان كما قال تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } [الأنفال: من الآية60]. والقوة تجدي بإذن الله، إذا أحكم تنظيمها، ووضعت في محلها الشرعي حربًا وسلمًا.
  • السبب الخامس عشر :
الاجتهاد في رسم الخطط الحربية، من حيث الزمان والمكان والكم والكيف، كما كان يفعل الجيش المظفر في عهد النبوة وفي عهد الخلفاء الراشدين، لأن الأعمال العشوائية لا تحقق النتائج المرضية.
  • السبب السادس عشر :
ضرورة التشاور حسب الإمكان بين القائد وجنده، ثم المسارعة إلى الأخذ بالرأي الذي يراه أهل الخبرة في الحرب والمكيدة، ولأهمية هذا السبب فقد أمر الله نبيه محمدًا صلى الله عليه و سلم بقوله: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } [آل عمران: من الآية159]. فكان صلى الله عليه و سلم يتشاور مع أصحابه، وينـزل إلى الصالح من آرائهم السديدة المباركة كما في غزوة بدر الشهيرة.
  • السبب السابع عشر :
وجوب الطاعة للإمام والقائد في كل شيء فيه طاعة لله ولرسوله، ويحقق به مصالح القتال والحصول على النصر، فإن الخروج عن الطاعة، وكثرة الخلاف، وعدم الانضباط، أمور تسبب الفشل والهزيمة كما قال تعالى: { وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } [الأنفال: من الآية46].
  • السبب الثامن عشر :
إظهار القوة والجَلَدِ أمام الأعداء لإرهابِهم، وإعلان عدم المبالاة بجموعهم، ولو أدّى ذلك إلى التبختر والخيلاء أمامهم.
  • السبب التاسع عشر :
الخضوع الدائم لله والشكر له على نعمه، ومنها نعمة النصر على الأعداء، والتغلب عليهم، فلا أشَرَ ولا بَطَر ولكن حمدٌ لله وشكر له، وبراءة من كل حول وقوة إلا بالله الذي يمد بنصره أولياءه المتقين، وجنده المجاهدين، وحزبه المفلحين، قال تعالى مذكرًا بنعمته: { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } [الأنفال: من الآية17]، وقال عز و جل : { وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [الأنفال: من الآية10].

هذه رءوس أقلام عن أسباب النصر الَّتِي وعد الله أهلها: { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا } [النور: من الآية55].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية