قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: لنذكر من كلام الله تعالى، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام أئمة العلم جُمَلا في جهاد القلب واللسان، ومعاداة أعداء الله، ومولاة أوليائه، وأنَّ الدَّينَ لا يصح، ولا يدخل الإنسان فيه إلا بذلك فنقول : باب في وجوب عداوة أعداء الله من الكفار والمرتدين والمنافقين
وقول الله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ﴾. وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾. وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ إلى قوله: ﴿كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾. وقوله تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾.
وقال الإمام الحافظ محمد بن وضاح: أخبرني غير واحد أن أسد بن موسى كتب إلى أسد بن الفرات: اعلم يا أخي أن ما حملني على الكتاب إليك ما ذكر أهل بلادك من صالح ما أعطاك الله من إنصافك الناس، وحسن حالك مما أظهرت من السنة، وعيبك لأهل البدع، وكثرة ذكرك لهم وطعنك عليهم، فقمعهم الله بك، وشد بك ظهر أهل السنة، وقواك عليهم؛ بإظهار عيبهم والطعن عليهم فأذلهم الله بيدك وصاروا ببدعتهم مستترين، فأبشر يا أخي بثواب ذلك، واعتد به من أفضل حسناتك من الصلاة والصيام والحج والجهاد، وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله تعالى وإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحيا شيئا من سنتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وضم بين أصبعيه» وقال: «أيما داع دعا إلى هدى فاتبع عليه كان له مثل أجر من اتبعه إلى يوم القيامة»، فمتى يدرك أجر هذا بشيء من عمله وذكر أيضا «أن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا لله يذب عنها وينطق بعلاماتها»، فاغتنم يا أخي هذا الفضل وكن من أهله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن وأوصاه: «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من كذا وكذا»، وأعظم القول فيه فاغتنم ذلك وادع إلى السنة حتى يكون لك في ذلك ألفة وجماعة يقومون مقامك إن حدث بك حدث، فيكونون أئمة بعدك فيكون لك ثواب ذلك إلى يوم القيامة كما جاء في الأثر فاعمل على بصيرة ونية وحسبة فيرد الله بك المبتدع المفتون الزائغ الحائر، فتكون خلفا من نبيك صلى الله عليه وسلم، فإنك لن تلقى الله بعمل يشبهه.
وإياك أن يكون لك من أهل البدع أخ أو جليس أو صاحب؛ فإنه جاء في الأثر: «من جالس صاحب بدعة نزعت منه العصمة، ووكل إلى نفسه. ومن مشى إلى صاحب بدعة مشى في هدم الإسلام» وجاء: «ما من إله يعبد من دون الله أبغض إلى الله من صاحب هوى». وقد وقعت اللعنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل البدع، وأن الله لا يقبل منهم صرفا ولا عدلا ولا فريضة ولا تطوعا، وكلما ازدادوا اجتهادا وصوما وصلاة ازدادوا من الله بعدا. فارفض مجالسهم وأذلهم وأبعدهم كما أبعدهم الله وأذلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة الهدى بعده. انتهى كلام أسد رحمه الله تعالى.
واعلم رحمك الله أن كلامه وما يأتي من كلام أمثاله من السلف في معاداة أهل البدع والضلالة في ضلالة لا تخرج عن الملة، لكنهم شددوا في ذلك وحذروا منه لأمرين:
الأول: غلظ البدعة في الدين في نفسها، فهي عندهم أجلّ من الكبائر، ويعاملون أهلها بأغلظ مما يعاملون به أهل الكبائر كما تجد في قلوب الناس أن الرافضي عندهم ولو كان عالما عابدا أبغض وأشد ذنبا من السني المجاهر بالكبائر.
الثاني: أن البدع تجر إلى الردة الصريحة كما وجد من كثير من أهل البدع. فمثال البدعة التي شددوا فيها مثل تشديد النبي صلى الله عليه وسلم فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح، خوفا مما وقع من الشرك الصريح الذي يصير به المسلم مرتدا. فمن فهم هذا فهم الفرق بين البدع وبين ما نحن فيه من الكلام في الردة ومجاهدة أهلها، أو النفاق الأكبر ومجاهدة أهله، وهذا هو الذي نزلت فيه الآيات المحكمات مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ الآية. وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ﴾ الآية.
وقال ابن وضاح في كتاب البدع والحوادث بعد حديث ذكره: أنه سيقع في هذه الأمة فتنة الكفر وفتنة الضلالة قال رحمه الله، إن فتنة الكفر هي الردة. يحل فيها السبي والأموال، وفتنة الضلالة لا يحل فيها السبي والأموال، وهذا الذي نحن فيه فتنة ضلالة لا يحل فيها السبي ولا الأموال.
وقال رحمه الله أيضا: أخبرنا أسد أخبرنا رجل عن ابن المبارك. قال: قال ابن مسعود: «إن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا من أوليائه يذب عنه، وينطق بعلامتها، فاغتنموا حضور تلك المواطن وتوكلوا على الله».
قال ابن المبارك: وكفى بالله وكيلا
ثم ذكر بإسناده عن بعض السلف قال: «لأن أرد رجلا عن رأي سيئ أحب إليّ من اعتكاف شهر».
أخبرنا أسد عن أبي إسحاق الحذاء عن الأوزاعي قال: كان بعض أهل العلم يقولون: «لا يقبل الله من ذي بدعة صلاة ولا صدقة ولا صياما ولا جهادا ولا حجة ولا صرفا ولا عدلا. وكانت أسلافكم تشتد عليهم ألسنتهم، وتشمئز منهم قلوبهم، ويحذرون الناس بدعتهم. قال: ولو كانوا مستترين ببدعتهم دون الناس، ما كان لأحد أن يهتك عنهم سترا، ولا يظهر منهم عورة، الله أولى بالأخذ بها أو بالتوبة عليها، فأما إذا جاهروا به فنشر العلم حياة، والبلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة يعتصم بها على مصر ملحد».
ثم روى بإسناده قال: «جاء رجل إلى حذيفة وأبو موسى الأشعري قاعد فقال: أرأيت رجلا ضرب بسيفه غضبا لله حتى قتل، أفي الجنة أم في النار؟ فقال أبو موسى: في الجنة ، فقال حذيفة: استفهم الرجل وأفهمه ما تقول حتى فعل ذلك ثلاث مرات. فلما كان في الثالثة قال: والله لا أستفهمه. فدعا به حذيفة فقال: رويدك! وما يدريك أن صاحبك لو ضرب بسيفه حتى ينقطع فأصاب الحق حتى يقتل عليه فهو في الجنة وإن لم يصب الحق ولم يوفقه الله للحق فهو في النار. ثم قال: والذي نفسي بيده ليدخلن النار في مثل الذي سألت عنه أكثر من كذا وكذا».
ثم ذكر بإسناده عن الحسن قال: «لا تجالس صاحب بدعة؛ فإنه يمرض قلبك».
ثم ذكر بإسناده عن سفيان الثوري قال: «من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاث:
إما أن يكون فتنة لغيره،
وإما أن يقع في قلبه شيء فيزل به فيدخله الله النار،
وإما أن يقول: والله ما أبالي ما تكلموه وإني واثق بنفسي، فمن أمن الله على دينه طرفة عين سلبه إياه».
ثم ذكر بإسناده عن بعض السلف قال: «من أتى صاحب بدعة ليوقره فقد أعان على هدم الإسلام».
أخبرنا أسد قال: حدثنا كثير أبو سعيد قال: «من جلس إلى صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه».
أخبرنا أسد بن موسى قال: أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب قال: قال أبو قلابة: «لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون».
قال أيوب: وكان والله من الفقهاء ذوي الألباب.
أخبرنا أسد بن موسى قال: أخبرنا زيد عن محمد بن طلحة قال: قال إبراهيم: «لا تجالسوا أصحاب البدع، ولا تكلموهم، فإني أخاف أن ترتد قلوبكم».
أخبرنا أسد بالإسناد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل».
أخبرنا أسد: أخبرنا مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن زيد عن أيوب قال: «دخل على محمد بن سيرين يوما رجل فقال: يا أبا بكر أقرأ عليك آية من كتاب الله، لا أزيد على أن أقرأها ثم أخرج. فوضع أصبعيه في أذنيه ثم قال: أحرِّجُ عليك إن كنت مسلما لما خرجت من بيتي. قال: فقال: يا أبا بكر إني لا أزيد على أن أقرأ ثم أخرج، قال: فقام بإزاره يشده عليه، وتهيأ للقيام. فأقبلنا على الرجل فقلنا: قد حرَّجَ عليك إلا خرجت، أفيحل لك أن تُخرج رجلاً من بيته؟ قال: فخرج. فقلنا: يا أبا بكر ما عليك لو قرأ آية، ثم خرج؟ قال: إني والله لو ظننت أن قلبي يثبت على ما هو عليه ما باليت أن يقرأ، ولكنني خفت أن يلقي في قلبي شيئا أجهد أن أخرجه من قلبي فلا أستطيع».
أخبرنا أسد قال: أخبرنا ضمرة عن سودة قال: سمعت عبد الله بن القاسم وهو يقول: «ما كان عبد على هوى فتركه، إلا آل إلى ما هو شر منه». قال فذكرت هذا الحديث لبعض أصحابنا فقال: تصديقه في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم «يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون حتى يرجع السهم إلى فوقه».
أخبرنا أسد قال: أخبرنا موسى بن إسماعيل عن حماد بن زيد عن زيد عن أيوب قال: «كان رجل يرى رأيا فرجع عنه، فأتيت محمداً فرحا بذلك أخبره فقلت: أشعرت أن فلانا ترك رأيه الذي كان يرى؟ فقال: انظروا إلى ما يتحول. إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله يمرقون من الإسلام لا يعودون إليه».
[ المصدر: مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد، ص312- 319 ]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق